كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) إِلى خطباء المنبر الحسيني استعداداً لشهر محرم الحرام

كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) إِلى خطباء المنبر الحسيني استعداداً لشهر محرم الحرام



14/9/2017


 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي بعث رسولاً منا يتلو علينا آياته, ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة, ويخرجنا من الظلمات إِلى النور.

والصلاة والسلام على سيد الكونين محمد بن عبد الله وعلى آله الغر الميامين، واللعنة الدائمة على أَعدائهم أَجمعين من الأولين والآخرين إِلى قيام يوم الدين.

قال الله سبحانه: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

يعجز العباد عن إِحصاء نعم الله عليهم، فهم عن الشكر عليها أَعجز، فكان من أَبرز نعم الله بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال الله سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، إِذ بعث فيهم رسولاً تجسَّدت فيه رحمته (سبحانه وتعالى)، قد ملئت علماً وحكمة وحناناً وعطفاً على البرية، فبلَّغ ونصح وأَبدع وتحمَّل في شأن ذلك ما يعجز عنه أَيُّ إِنسانٍ غيره، ولما أدى ما كان عليه، وأُحب لقاء ربه على الاستمرار بالحياة الدنيوية, لم يترك الأُمة سُدىً بل جعلها في رعاية وصيه علي بن أبي طالب والأَئمة من ولده (عليهم السلام)، ولما فسدت الأُمة بفعل أَشقى الأَشقياء، وحُرِمَت من رعاية علي بن أبي طالب ومن رعاية نجله الإِمام الحسن (عليهم السلام) بفعل أَولاد آكلة الأَكباد، وأخذ الإِسلام الذي كان أمانة بيد الحسين (عليه السلام) يهتز وكاد ينمحي؛ تصدى الإمام الحسين (عليه السلام) للطغاة الساعين في محوه واحبَّ الشهادة في سبيل الإِسلام على الحياة، ولم يأَلُ جهداً في تقديم التضحيات بكافة النعم الدنيوية فترك مهجر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة، وبعدها أضطُرَّ إِلى ترك مكة أَيضاً، وعزم على التضحية فنـزل في كربلاء المقدسة؛ ليسقي بدمه وبدماء أَولاده وأَنصاره شجرة الإِسلام؛ ولتبقى رايته عاليةً خفاقة.

وكانت سيرته (سلام الله عليه) وأَقواله بل كُل حركاته وسكناته تجسيداً لحياة جده (صلى الله عليه وآله) فأبدع وأَتقن العمل بحيث أَصبحت شجرة الإِسلام يانعة مورقة إِلى يومنا هذا, وستبقى لتهدي الأُمم.

وكانت نهضته الشريفة مبيِّنةً لما خفيَ عن الأُمم من زيغ حكام الجور وفساد سيرتهم، وأَثبت أَنه الحق الذي لا ينحني أمام الباطل، وبوقفته كذَّب الأَباطيل التي سعت في نسبة الخضوع والخنوع إِلى والده علي بن أَبي طالب (عليه السلام) أَنه بايع فلاناً وفلاناً بعد النبي (صلى الله عليه وآله), وكذلك نسبته إِلى الإِمام الحسن (عليه السلام)، فبيَّن (عليه السلام) حين قال لوالي المدينة: (يزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، مثلي لا يبايع لمثله)، وبذلك كشف زيغ المنافقين, وانحراف قضاة الجور, وذباب سفرة الظلمة، الذين أَفتوا بلزوم الخروج لقتل الإِمام الحسين (عليه السلام).

فعلينا جميعاً إِحياء هذه النهضة الميمونة بكل خصوصياتها، ومعلومٌ أن أحسن الطرق لبقاء ثورة الإِمام الحسين (عليه السلام) نهضةً طريةً, هي مزج الشعائر الحسينية بالعواطف كما علمّنا الأَئمة (صلوات الله عليهم)، فيجب أن تستمر الشعائر بكل معانيها السامية بعيدةً عن الخنوع والخشوع للدعاة المبتلين الذين يسعون في منعها أو حرفها أو صرفها عن الطريق القويم, أو إبعادها عن النفوس.

فليعم الجميع أَن الشعائر الحسينية حرقات قلوبنا, ولحظات عيوننا, ومسيل دمائنا في عروقنا, وستبقى إِلى أن يأَتي المنتقم من أَعداء الحسين (عليه السلام) وأَتباعهم (عجل الله تعالى فرجه) فيستلمها منا غضةً طريةً مليئةً بالعواطف والدموع.

نحن في هذا الموقف يجب أن ننتبه إِلى الأَمور التي هي من صميم واجباتنا تجاه العالم وتجاه الوطن  بالخصوص، وخطباء المنبر الحسيني هم رعاةٌ وحماةٌ ومسؤولون عن هذه الأَمور بما شرَّفهم الله (سبحانه وتعالى) لهذا العمل العظيم، وهم يحملون على صدورهم أَوسمة البطولة والشهامة والتضحية.

الأَمر الأَوّل: هناك من يسعى بمختلف الطرق السيئة والخبيثة إلى صرف جيلنا الصاعد عن القضايا الحسينية، فعلى خطباء المنبر الحسيني المجاهدين التصدّي لهم ودفع الشبهات التي تثار حول الشعائر الحسينية.

الأَمر الثاني: يجب تنـزيه الشعائر عن كل ما لا يتلاءم مع الدين الذي ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) لأَجله، فيجب التأكيد على الصلاة, وعلى اجتناب المحارم بجميع أَشكالها، كما يجب جلب الناس ليلتفوا حول الحوزة العلمية في النجف الأَشرف؛ ليستمدوا منها نور الهداية ويستظلوا بفيئها الهانئ.

الأَمر الثالث: على خطبائنا المجاهدين أَن يعلموا أَن هداية الناس بالسلوك أوقر وأَوقع تأَثيراً من اللسان؛ فليكن كلُّ خطيبٍ بسلوكه قبل لسانه والتزامه بالدين داعيةً إِلى الدين، وراعياً للإِسلام الذي ضحى الإِمام الحسين (عليه السلام) لأَجله، ولنعلم أَن كلَّ مؤمنٍ مطالب بالإِقرار بالتوحيد ومبادئ الإِسلام قبل الموت، ويجب أن نعلم أَن الإِمام الحسين (عليه السلام) حينما كان تحت السيف تقطع عروق رقبته, ينادي أن دين جدِّه حقٌ, ويبقى عمله وعمل أَولاده مع القرآن مشعلاً للهداية.

الأَمر الرابع: على خطبائنا الأَعزاء الاستعانة في لمِّ شمل الشباب حول الدين بوجهاء المنطقة على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم, فأن الناس يتبعون الوجهاء من حيث يدرون أو لا يدرون، كما عليهم حثّ المسؤولين بالحكمة والموعظة الحسنة على خدمة الشعب والقيام بواجباتهم تجاه هذا الشعب المظلوم.

الأَمر الخامس: يجب علينا جميعاً تفقد عوائل الشهداء والجرحى بكل ما نتمكن، ولا يجوز أن يشبع أحدٌ منا إِذا كانت هناك عائلةً لشهيدٍ, أو ليتيمٍ من أَيتام العراق جائعةً أو عارية، وإِذا تشرَّفنا بشيء من تقديم الخدمة إِلى أحدٍ من عوائل الشهداء فلنعلم أنه هو المتفضل علينا بقبول ما قدَّمناه، وليعلم المؤمنون جميعاً أَن هؤلاء الشهداء جعلوا صدورهم درعاً لقبر الإِمام الحسين (عليه السلام)، ولثورته بل للإِسلام الحقيقيِّ الذي جاء به الرسول الأَعظم (صلى الله عليه وآله)، فعلينا أن نخدمهم جميعاً؛ لأنهم يمهدون لسلطة الإِمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) العالمية, والتي ستتمركز في العراق.




أرسال
طباعة
حفـظ