خطباء جمعة مكتب سماحة المرجع، يعزون العالم الإِسلامي بشهادة الإمام السجاد (ع) ويؤكدون حاجة الأُمة لسيرته الطاهرة

خطباء جمعة مكتب سماحة المرجع، يعزون العالم الإِسلامي بشهادة الإمام السجاد (ع) ويؤكدون حاجة الأُمة لسيرته الطاهرة



29/9/2019


استعرض خطباء جمعة مكتب سماحة المرجع (دام ظله) جوانب ونفحاتٍ من سيرة الإمام علي بن الحسين السجاد (صلوات الله عليهما)، مشيرين إِلى ما قدمه في الجانب الإِنساني والاجتماعي والديني والروحي، ومعتبرين بالمدرسة التي طالما تفتقر لها الأَمة في يومنا هذا.

يأتي ذلك بعد أن قدموا تعازيهم بذكرى شهادة زين العابدين (عليه السلام)، وفيما يأتي وقفات مما قدّم من على منابر الجمعة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

* في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ والذي رواه الفريقان ـ "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ من بُطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم فيه على بن الحسين".

أَيها المؤمنون:- أَعظم الله أجورنا وأَجوركم بشهادة مولانا زين العابدين (عليه السلام).

لا شك ولا ريب أَن حياة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وسيرته الطاهرة مليئة بمكارم الأخلاق وهي تشكل قسماً مهماً من بحر فضائله ومكارمه، فكان الإمام (عليه السلام) خير دليل وأسوة للإنسان الصالح، وأفضل نموذج لكل البشرية في طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

وهنا نشير إِلى بعض المحطات في حياته الشريفة:-

* رسالة الحقوق:-

إنّ رسالة الحقوق التي نظمها الإمام زين العابدين (عليه السلام) تدلّ على اهتمام الإمام بكلّ ما يدور حوله في المجتمع الإسلاميّ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسيّة والصحيّة، ورعايته لأمنه واستقراره، وحفاظه على تكوينته الإسلاميّة، وإذا نظرنا إلى ظروف الإمام (عليه السلام) من جهة، وإلى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق، من سعة الأفق وشموليّته من جهة أخرى، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبّار، الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرناً، إنّ صنع مثل هذا القانون في جامعيّته، ودقّته وواقعيّته، لا يصدر إلّا من شخص جامع للعلم والعمل، مهتمٍّ بشؤون الأمّة، ومتصدٍّ لإصلاحها فكريّاً وثقافيّاً، واقتصاديّاً، واجتماعيّاً، وإداريّاً، وصحيّاً، ونفسيّاً، ولا يصدر ـ قطعاًـ من شخص منعزل عن العالم، وعن الحياة الاجتماعيّة، ولا مبتعدٍ عن السياسة وأمور الحكم والدولة! ولذلك فإنّا نجد الرسالة تحتوي على حقوق مثل: حقّ السلطان، وحقّ الرعيّة، وحقّ أهل الملّة عامّة، وحقّ أهل الذمّة، وغيرها ممّا يرتبط بأمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعيّة، إلى جانب الشؤون الخاصّة العقيديّة والعباديّة والماليّة، وكلّ ما يرتبط بحياة حرّة كريمة للفرد وللمجتمع الذي يعيش معه، ومثل هذا لا يصدر ممّن يعتزل الحياة الاجتماعيّة.

* الدعاء:

لقد كان الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) يحرص على أن يضع الناس، على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، تجاه مسؤوليّاتهم، وما يجب عليهم لله وللناس، ولكن بأسلوب يختلف عن أساليب الوعّاظ والمرشدين والقصّاصين، لقد استعمل أسلوب الحوار مع الله، ومناجاته، واستعطافه وتمجيده.

فقد كان يوجّه الأمّة من خلال أدعيته، التي كان يضمّنها مختلف المعارف الإسلاميّة: عقائديّاً وهو الأهمّ وسياسيّاً وأخلاقيّاً، وغير ذلك.. ولم يكن بإمكان أحد أن يعترض عليه، ويقول له: لا تدع ربّك.. فإنّ ذلك سوف يكون مستهجناً ومرفوضاً من كلّ أحد.. حيث يرونه ـ بحسب الظاهر ـ لا يتعرّض لدنيا هؤلاء الحكّام، وإنّما شغل نفسه بعبادة ربّه، وتصفية وتزكية نفسه..  ولقد فاتهم: أنّه كان في الظاهر يدعو الله، ولكنّه كان في واقع الأمر يدعو إلى الله، ويوجّه نحوه، ويعرّف الناس سبيله، ويضمّن كلامه الكثير من التعاليم الإلهيّة، والمعارف الدينيّة التي تهمّهم في أمر دينهم ودنياهم.. كما اتضح جليّاً فيما بعد. وأنّه كان يقود عمليّة التغيير الشامل في بنية العقيدة للأمّة الإسلاميّة بأسرها، وكنموذج على البعد السياسيّ في أدعية الإمام (عليه السلام)، نستعرض بعض الفقرات من دعائه عليه السلام يوم الأضحى، ويوم الجمعة: "أللَّهم إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة، التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها... حتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلاً، وكتابك منبوذاً، وفرائضك محرّفة عن جهات أشراعك، وسنن نبيّك متروكة، أللَّهم العن أعداءهم من الأوّلين والآخرين، ومن رضي بفعالهم وأشياعهم وأتباعهم".

* حلمه وتعامله مع العبيد ومحاسبته لنفسه:

ويصف الإمام الصادق (عليه السلام) جانباً من تعامله الإنسانيّ والمميّز مع هذه الشريحة الاجتماعيّة، إذ يقول: "كان عليّ بن الحسين إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر الليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثمّ أظهر الكتاب، ثمّ قال: يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا بن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم فيقرّرهم جميعاً"، ثمّ يقوم وسطهم، ويقول لهم: "ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا عليّ بن الحسين، إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت، كما أحصيت علينا كلّما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلّا أحصاها، وتجد كلّما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عفوّاً، وبك رحيماًَ، ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً، كما لديك كتاب ينطق علينا بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناها إلّا أحصاه، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك، الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك، ويصفح، فإنّه يقول: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، قال: وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقّنهم، وهم ينادون معه، وهو واقف بينهم يبكي وينوح، ويقول: ربّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، فقد ظلمنا أنفسنا، فنحن قد عفونا عمّن ظلمنا، كما أمرت، فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين، وقد أنخنا بفنائك وببابك، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا، فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كرمت فأكرمني، إذ كنت من سؤّالك، وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم"، ثمّ يقبل عليهم، فيقول: "قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي ممّا كان منّي إليكم من سوء مِلكة، فإنّي مليك سوء، لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل، فيقولون: قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت، فيقول لهم: قولوا: أللَّهم اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، وأعتقه من النّار كما أعتق رقابنا من الرقّ، فيقولون ذلك، فيقول: أللَّهم آمين، يا ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم، رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي، فيعتقهم"، فإذا كان يوم الفطر، أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عمّا في أيدي الناس، وما من سنّة إلّا وكان يعتق فيها آخر ليلة من شهر رمضان، ما بين العشرين رأساً إلى أقلّ أو أكثر.

وكان يقول: إنّ لله تعالى، في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار، سبعين ألف ألف عتيق من النّار، كلّاً قد استوجب النّار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإنّي لأحبّ أن يراني الله، وقد أعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا، رجاء أن يعتق رقبتي من النّار، وما استخدم خادماً فوق حول، كان إذا ملك عبداً في أوّل السنة أو في وسط السنة، إذا كان ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني، ثمّ أعتق، كذلك كان يفعل حتّى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم حاجة، يأتي بهم إلى عرفات، فيسدّ بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض، أمر بعتق رقابهم، وجوائز لهم من المال".

وما أَعظم هذا الخلق وهذه العبودية لله تعالى وهذه المحاسبة الدقية للنفس  والتي لن نفلح ما لم نحاسب النفس نسأله تعالى أَن يجعلنا من المنتفعين بكلامهم ومواقفهم (صلوات الله عليهم)، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


اشترك في قناة النجفي تليجرام


أرسال
طباعة
حفـظ