من خلال منبر الجمعة، وكلا ومعتمدو سماحة المرجع:

من خلال منبر الجمعة، وكلا ومعتمدو سماحة المرجع:

27/7/2018




يدعون المفوضية العليا للمستقلة للانتخابات لحسم النتائج النهائية لإِنهاء الفراغ التشريعي والرقابي.

دعا وكلاء ومعتمدو مكتب سماحة المرجع (دام ظله) وذلك من خلال منبر الجمعة، أثناء إِمامتهم لصلاة الجمعة العبادية، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لضرورة حسم النتائج النهائية، لتسريع الجانب الرقابي والتشريعي في البلاد، فأن التأخير في إِعلان النتائج النهائية هو تأخير لعقد جلسات مجلس النواب، والذي سيخلق فضاءً من العمل الحكومي المتسارع البعيد عن المحاسبة البرلمانية.

إِلى ذلك أكد أصحاب السماحة والفضيلة ضرورة أن تكون الفترة القادمة أكثر جدية ومهنية بعيدة عن التأثريات الحزبية والإقليمية والخارجية.

هذا وقدم أصحاب السماحة والفضيلة العديد من المفاهيم الدينية التي تصب في أهمية ومكانة وعظمة الإِنسان في التشريع الإلهي، وما يتفرع منها من مفاهيم إِلهي تصب في خلق إِنسان يدرك أهمية دوره ومكانته في الوجود، وفيما يأتي قطوفٌ من نصوص صلاة الجمعة المباركة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قال تعالى في محكم كتابه: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَْمَانَةَ عَلَى السَّمَـوَتِ وَالأَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَـنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا).

تبيّن الآية الكريمة أوّلاً أعظم امتيازات الإنسان وأهمّها في كلّ عالم الخلقة، فتقول: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها)، وممّا لا شكّ فيه أنّ إباء السموات والأرض لتحمل المسؤولية وامتناعها عن ذلك لم يكن استكباراً منها، كما كان ذلك من الشيطان، بل إنّ إباءها كان مقترناً بالإشفاق، أي الخوف الممتزج بالتوجّه والخضوع، إلاّ أنّ الإنسان، أُعجوبة عالم الخلقة، قد تقدّم (وَحَمَلَهَا الإِْنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً).

* _ وهنا نطرح هذه الأسئلة:-

1- ما هي هذه الأمانة؟

2- ما معنى عرضها على السماوات والأرض والجبال؟

3- لماذا وكيف أبت هذه الموجودات حمل هذه الأمانة؟

4- كيف حمل الإنسان ثقل الأمانة هذا؟

5- لماذا وكيف كان الإِنسان ظلوماً جهولاً؟

* _ الجواب على السؤال الأَوّل:-  ذُكرت تفاسير مختلفة للأمانة ومن جملتها:

أنّ المراد من الأمانة: (هي الولاية الإلهية، وكمال صفة العبودية، والذي يحصل عن طريق المعرفة والعمل الصالح)،  وقيل المراد بالأَمانة (صفة الاختيار والحرية والإرادة التي تميّز الإنسان عن سائر الموجودات)، وقيل الأمانة هي: (العقل الذي هو ملاك التكليف، ومناط الثواب والعقاب).

وقيل أَن المراد بالأمانة (أعضاء جسم الإنسان، فالعين أمانة الله، ويجب الحفاظ عليها وعدم استعمالها في طريق المعصية، والأُذن واليد والرجل واللسان كلّها أمانات يجب حفظها)، وقيل هي: (الأمانات التي يأخذها الناس بعضهم من بعض، والوفاء بالعهود)، وقيل هي: (معرفة الله سبحانه)، وقد يكون المراد: (الواجبات والتكاليف الإلهيّة كالصلاة والصوم والحجّ)، لكن يتّضح من خلال أدنى دقّة أن هذه التفاسير لا تتناقض مع بعضها، بل يمكن إدغام بعضها في البعض الآخر، فبعضها أخذت جانباً من الموضوع، وبعضها الآخر كلّه.

* _ ومن أجل الحصول على جواب جامع كاف، يجب أن نلقي نظرة على الإنسان؛ لنرى أي شيء يمتلكه وتفتقده السماوات والأرضون والجبال؟:-

إنّ الإنسان موجود له استعدادات وقابليات يستطيع من خلال استغلالها أن يكون أتمّ مصداق لخليفة الله، ويستطيع أن يصل إلى قمّة العظمة والشرف باكتساب المعرفة وتهذيب النفس وتحصيل الكمالات، وأن يسمو حتّى على الملائكة.

وهذا الاستعداد المقترن بالحرية والإرادة والاختيار يعني أنّ الإنسان يطوي هذا الطريق بإرادته واختياره، ويبدأ فيه من الصفر ويسير إلى ما لا نهاية.

نعم لا شك أن السماء والأرض والجبال تمتلك نوعاً من المعرفة الإلهية، وهي تذكر الله سبحانه وتسبّحه، وتخضع لعظمته وتخشع لها وتسجد، إلاّ أنّ كلّ ذلك ذاتي وتكويني وإجباري، ولذلك ليس فيه تكامل ورقي، والموجود الوحيد الذي لا ينتهي منحنى صعوده ونزوله، وهو قادر على ارتقاء قمّة التكامل بصورة لا تعرف الحدود، ويقوم بكلّ هذه الأعمال بإرادته واختياره، هو الإنسان، وهذه هي "الأمانة الإلهيّة" التي امتنعت من حملها كلّ الموجودات، وحملها الإنسان!، (بناءً على هذا يجب القول في عبارة مختصرة أنّ الأمانة الإلهية هي قابلية التكامل غير المحدودة والممتزجة بالإرادة والاختيار، والوصول إلى مقام الإنسان الكامل، وعبودية الله الخاصّة وتقبّل ولاية الله تعالى).

* _ لكن لماذا عُبّر عن هذا الأمر بالأمانة، مع أنّ كلّ وجودنا وكلّ ما لدينا أمانة الله؟

لقد عبّر بهذا التعبير لأهميّة امتياز البشر العظيم هذا، وإلاّ فإنّ بقية المواهب أمانات الله أيضاً، غير أنّ أهميّتها تقلّ أمام هذا الامتياز.

ويمكن أن نعبّر هنا عن هذه الأمانة بتعبير آخر ونقول: إنّها التعهّد والالتزام وقبول المسؤولية.

 

بناءً على هذا فإنّ أُولئك الذين فسّروا الأمانة بصفة الاختيار والحرية في الإرادة، قد أشاروا إلى جانب من هذه الأمانة العظمى، كما أنّ أولئك الذين فسّروها بالعقل، أو أعضاء البدن، أو أمانات الناس لدى بعضهم البعض، أو الفرائض والواجبات، أو التكاليف بصورة عامّة، قد أشار كلّ منهم إلى غصن من أغصان هذه الشجرة العظيمة المثمرة، وأقتطف منها ثمرة.

* _ والجواب على السؤال الثاني ما هو المراد من عرض هذه الأمانة على السموات والأرض؟

هل المراد: أنّ الله سبحانه قد منح هذه الموجودات شيئاً من العقل والشعور ثمّ عرض عليها حمل هذه الأمانة؟

أو أنّ المراد من العرض هو المقارنة؟ أي أنّها عندما قارنت حجم هذه الأمانة مع ما لديها من القابليات والاستعدادات أعلنت عدم لياقتها واستعدادها عن تحمّل هذه الأمانة العظيمة.

طبعاً، يبدو أنّ المعنى الثّاني هو الأنسب، وبهذا فإنّ السماوات والأرض والجبال قد صرخت جميعاً بأنّا لا طاقة لنا بحمل هذه الأمانة.

ومن هنا يتّضح جواب السؤال الثالث أيضاً، بأنّ هذه الموجودات لماذا وكيف رفضت وأبت حمل هذه الأمانة العظمى، وأظهرت إشفاقها من ذلك؟

ومن هنا تتّضح كيفية حمل الإنسان لهذه الأمانة الإلهية، لأنّ الإنسان كان قد خلق بشكل يستطيع معه تحمّل المسؤولية والقيام بها، وأن يتقبّل ولاية الله، ويسير في طريق العبودية والكمال ويتّجه نحو المعبود الدائم، وأن يطوي هذا الطريق بقدمه وإرادته، وبالاستعانة بربّه ، وهذا جواب السؤال الرابع.

* _ أَما ما ورد في روايات عديدة وردت عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) من تفسير هذه الأمانة بقبول ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وولده، فمن أجل أنّ ولاية الأنبياء والأئمّة نور ساطع من تلك الولاية الإلهية الكليّة، والوصول إلى مقام العبودية، وطي طريق التكامل لا يمكن أن يتمّ من دون قبول ولاية أولياء الله تعالى وهم محمد وآل محمد.

كما جاء في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) والذي نعيش ذكرى ولادته العطرة في هذه الأيام أنّه سئل عن تفسير آية عرض الأمانة، فقال: "الأمانة الولاية، من إدّعاها بغير حقّ كفر".

وهنا ملاحظة انه في مورد قبول الأمانة الإلهيّة يجب القول بأنّ هذا القبول لم يكن قبول اتّفاق وعقد بين المولى عز وجل والإنسان بل كان قبولاً تكوينياً حسب عالم الاستعداد.

* _ السؤال الوحيد الذي يبقى هو مسألة كون الإنسان "ظلوماً جهولاً"، فهل أنّ وصف الإنسان بهاتين الصفتين ـ وظاهرهما ذمّه وتوبيخه ـ كان نتيجة قبوله لهذه الأمانة؟

مِن المسلَّم أنّ النفي هو جواب هذا السؤال؛ لأنّ قبول هذه الأمانة أعظم فخر وميزة للإنسان، فكيف يمكن أن يُذمّ على قبوله مثل هذا المقام السامي؟

أم أنّ هذا الوصف بسبب نسيان غالب البشر وظلمهم أنفسهم، وعدم العلم بقدر الإنسان ومنزلته.. وبسبب الفعل الذي بدأ منذ ابتداء نسل آدم من قِبل قابيل وأتباعه، ولا يزال إلى اليوم.

وعلى أي حال، فيجب الاعتراف بأنّ الإنسان الضعيف والصغير في الظاهر، هو أُعجوبة علم الخلقة، حيث استطاع أن يتحمّل أعباء الأمانة التي عجزت السماوات والأرضون عن حملها إذا لم ينس مقامه ومنزلته.

جعلنا الله وإِياكم من أَهل أمانته انه سميع الدعاء.

*_ دعوة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للإِسراع بحسم النتائج النهائية وذلك لانعقاد الجلسة الأَوّلى لمجلس النواب سريعاً؛ لأن غياب السلطة الرقابية يخلق فضاء ًمن العمل الحكومي المتسارع البعيد عن المحاسبة البرلمانية، كما وندعو إِلى أَن يكون العمل البرلماني في الفترة القادمة أَكثر جدية ومهنية بعيداً عن التأثيرات الحزبية والإقليمية والخارجية.

حفظ الله العراق وأَهله..